responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 278
[النجم: 38] وَهُوَ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى عَدَمِ الْحِمْلِ عَنِ الْوَازِرَةِ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ الْوِزْرِ عَلَيْهَا مِنْ ضَرُورَةِ اللَّفْظِ، لِجَوَازِ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهَا وَيَمْحُوَ اللَّهُ ذَلِكَ الْوِزْرَ فَلَا يَبْقَى عَلَيْهَا وَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهَا غَيْرُهَا وَلَوْ قَالَ: لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ إِلَّا وِزْرَ نَفْسِهَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهَا تَزِرُ، وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُحْسِنِ: لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَلَمْ يَقُلْ:
لَيْسَ لَهُ مَا لَمْ يَسْعَ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ لَهُ مَا سَعَى، وَفِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى أَنَّ لَهُ مَا سَعَى، نَظَرًا إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَالَ: فِي حَقِّ الْمُسِيءِ بِعِبَارَةٍ لَا تَقْطَعُ رَجَاءَهُ، وَفِي حَقِّ الْمُحْسِنِ بِعِبَارَةٍ تَقْطَعُ خَوْفَهُ، كُلُّ ذلك إشارة إلى سبق الرحمة الغضب ثم قال تعالى:

[سورة النجم (53) : آية 42]
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42)
الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ فَتْحُ الْهَمْزَةِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى مَا، يَعْنِي أَنَّ هَذَا أَيْضًا فِي الصُّحُفِ وَهُوَ الْحَقُّ، وَقُرِئَ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: مَا الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ؟ قُلْنَا فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَشْهُورُ بَيَانُ الْمَعَادِ أَيْ لِلنَّاسِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وُقُوفٌ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ يَتَّصِلُ بِمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: ثُمَّ يُجْزاهُ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَا تَرَى الْجَزَاءَ، وَمَتَى يَكُونُ، فَقَالَ: إِنَّ الْمَرْجِعَ إِلَى اللَّهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُجَازِي الشَّكُورَ وَيَجْزِي الْكَفُورَ وَثَانِيهِمَا: الْمُرَادُ التَّوْحِيدُ، وَقَدْ فَسَّرَ الْحُكَمَاءُ أَكْثَرَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الِانْتِهَاءُ وَالرُّجُوعُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ غَيْرَ أَنَّ فِي بَعْضِهَا تَفْسِيرَهُمْ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ ظَاهِرٌ، فَنَقُولُ: هُوَ بَيَانُ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَةِ لَا تَجِدُ لَهَا بُدًّا مِنْ مُوجِدٍ، ثُمَّ إِنَّ مُوجِدَهَا رُبَّمَا يُظَنُّ أَنَّهُ مُمْكِنٌ آخَرُ كَالْحَرَارَةِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يُظَنُّ أَنَّهَا مِنْ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ أَوْ مِنَ النَّارِ فَيُقَالُ الشَّمْسُ وَالنَّارُ مُمْكِنَتَانِ فَمِمَّ وُجُودُهُمَا؟ فَإِنِ اسْتَنَدَتَا إِلَى مُمْكِنٍ آخَرَ لَمْ يَجِدِ الْعَقْلُ بُدًّا مِنَ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَيْرِ مُمْكِنٍ فَهُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ فَإِلَيْهِ يَنْتَهِي الْأَمْرُ فَالرَّبُّ هُوَ الْمُنْتَهَى، وَهَذَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ظَاهِرٌ مَعْقُولٌ مُوَافِقٌ لِلْمَنْقُولِ، فَإِنَّ
الْمَرْوِيَّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى، لَا فِكْرَةَ فِي الرَّبِّ»
أَيِ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ وُجُودُهُ بِمُوجِدٍ وَمِنْهُ كُلُّ وُجُودٍ،
وَقَالَ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا ذُكِرَ الرَّبُّ فَانْتَهُوا»
وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا بَعْضُ النَّاسِ فَيُبَالِغُ وَيُفَسِّرُ كُلَّ آيَةٍ فِيهَا الرُّجْعَى وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُمَا بِهَذَا التَّفْسِيرِ حَتَّى قِيلَ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فَاطِرٍ: 10] بِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا دَلِيلُ الْوُجُودِ، وَأَمَّا دَلِيلُ الْوَحْدَانِيَّةِ فَمِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَقْلَ انْتَهَى إِلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ/ الْوُجُودِ لَمَا كَانَ مُنْتَهًى بَلْ يَكُونُ لَهُ مُوجِدٌ، فَالْمُنْتَهَى هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ وَاجِبٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى وَاحِدٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْعَقْلِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الِانْتِهَاءِ إِلَى هَذَا الْوَاجِبِ أَوْ إِلَى ذَلِكَ الْوَاجِبِ فلا يثبت الواجب مَعْنًى غَيْرَ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَيَبْعُدُ إِذًا وُجُوبُهُ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبَانِ فِي الْوُجُودِ لَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَبْلَ الْمُنْتَهَى لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ قَبْلَهُ الْوَاجِبُ فَهُوَ الْمُنْتَهَى وَهَذَانَ دَلِيلَانِ ذَكَرْتُهُمَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى فِي الْمُخَاطَبِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَامٌّ تَقْدِيرُهُ إِلَى رَبِّكَ أَيُّهَا السَّامِعُ أَوِ الْعَاقِلُ ثَانِيهِمَا: الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ بَيَانُ صِحَّةِ دِينِهِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ كَانَ يَدَّعِي رَبًّا وَإِلَهًا،
لَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ: «رَبِّيَ الَّذِي هُوَ أَحَدٌ وَصَمَدٌ»
يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُمْكِنٍ فَإِذًا رَبُّكَ هُوَ الْمُنْتَهَى، وَهُوَ رَبُّ الْأَرْبَابِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 278
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست